لم تعد البروباغندا، في صيغتها المعاصرة، فعلًا استثنائيًا يُمارَس في لحظات الحرب أو الأزمات الكبرى، بل أصبحت نمطًا دائمًا من أنماط تنظيم المجال العام. وفي قلب هذا التحول، تقف العلاقات العامة لا بوصفها ممارسة تواصلية بريئة، بل كأحد أهم التقنيات التي يُعاد عبرها تعريف ما يُعتبر حقيقة، وما يُستبعَد بوصفه هامشيًا أو غير ذي صلة. إن السؤال الحقيقي لم يعد: متى تكذب العلاقات العامة؟ بل: متى تتحول إلى نظام معرفي يحدد مسبقًا شروط التفكير الممكن؟ من الخطاب إلى النظام الخطابي في السياق الكلاسيكي، كانت العلاقات العامة تُمارَس ضمن أفق خطابي واضح: جهة ترسل رسالة، وجمهور يتلقّاها، مع افتراض وجود مسافة نقدية بين الطرفين. غير أن هذا النموذج انهار مع تحوّل الإعلام من وسيط إلى بيئة، ومن ناقل للمعلومة إلى بنية تحيط بالوعي من كل الجهات. في هذا التحول، لم تعد العلاقات العامة تُنتج خطابًا، بل تُسهم في إنتاج النظام الخطابي نفسه : أي القواعد غير المعلنة التي تحدد ما يمكن قوله، ومن يملك حق قوله، وبأي لغة، وتحت أي افتراضات مسبقة. هنا تصبح البروباغندا الحديثة أكثر تعقيدًا: فهي لا تفرض رواية واحدة بالقوة، بل ت...
