من قائد السلوك: الفرد أم المجتمع؟ في خضمّ هذا العالم المتشابك الذي تتداخل فيه القيم والمفاهيم والتوجهات، يبرز سؤالٌ قديمٌ متجدّد: من يقود سلوك الإنسان؟ هل هو الفرد بإرادته الحرة واختياراته المستقلة، أم المجتمع بقوانينه وأعرافه وضغوطه التي لا تُرى؟ سؤال يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه يحمل في أعماقه جدلًا فلسفيًا ونفسيًا واجتماعيًا عميقًا، لأن الإجابة عليه تمسّ جوهر العلاقة بين "الذات" و"الآخر"، بين "الحرية" و"الانتماء"، وبين "الضمير" و"الرقابة الاجتماعية". أولًا: السلوك بين الحرية والتأثير السلوك الإنساني لا ينشأ في فراغ. فكل إنسان يولد في بيئة محددة، وسط أسرة ومجتمع وثقافة معينة، تشكل لغته الأولى ومعتقداته الأولى وحتى تصوراته عن الصواب والخطأ. لكن في المقابل، يحمل كل فرد داخله عقلًا وقدرة على التمييز والاختيار، تجعله ليس مجرد انعكاس لما حوله، بل كائنًا قادرًا على التفاعل، المقاومة، أو حتى التمرد على بيئته. إذن، السلوك هو نتاج تفاعلٍ دائمٍ بين الذات والوسط: الذات بما تملكه من وعي وقيم وتجارب فردية. والمجتمع بما يفرضه من أنماط وتوقع...